بقلم: الاب رفيق جريش رئيس لجنة اعلام مجلس كنائس مصر

توّج ” المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية» أعماله، بـ “إعلان أبوظبي” والذى كان لي شرف حضورة بإعلان ” وثيقة الأخوة الإنسانية ” التي وقع عليها البابا فرنسيس بابا روما وفضيلة إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيّب ، بمشاركة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة واللذان استضافا هذا الحدث التاريخي الفريد ولفيف من قادة الرأي وعلماء الدين، من مسلمين ومسيحيين، من الشرق والغرب.

ومن يراجع مجريات الحوار الإسلامي ـ المسيحي، طيلة العقود الماضية، يدرك أن هذا الموضوع كان يحتاج إلى مقاربة أخرى، تتميز بالشجاعة في تخطي الحواجز والتخلي عن أحكام مسبقة ناتجة عن تعالقات المصالح وضيق الأفق وأحداث جرت في التاريخ .

وبقراءة المداخلات في المؤتمر، والأوراق التي طرحت في جلساته، يمكن القول إن الجميع خلصوا إلى أن الحوار هو الأداة الوحيدة، الفعّالة، والمطلوبة، لمعالجة قضايا الإنسانية المادية أو الروحية.

لقد استضافت الإمارات في حدث واحد جرى في رحابها، الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس، كذلك زيارة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر وبانعقاد مؤتمر ” الأخوة الإنسانية” فهي مقومات النهج الوطني والخارجي صاغته خلال عقود طويلة. فالإمارات الدولة نهضت بالإنسان، وجعلت القيمة الإنسانية معياراً من معاييرها المجتمعية .

فجاءت الوثيقة “الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك ” لتكون خارطة طريق لصفحة جديدة من العلاقات الإسلامية ـ المسيحية وبعد تأمل عميق لواقع عالمنا المعاصر وهو تغيب الضمير الإنساني وإقصاء الأخلاق الدينية الصحيحة المحبة للسلام واحترام الأخر والمسامحة مع الكل أتت الوثيقة بعدة مبادئ منها :

1ـ الحرية حق لكل إنسان ـ إعتقاداً وفكراً وتعبيراً وممارسة وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة أو فرض أسلوب حضاري لا يقبله الأخر .

2ـ أن العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب إتباعه للوصول إلى حياة كريمة .

3ـ نشر ثقافة التسامح وقبول الأخر والحوار بين المؤمنين والتلاقي في المساحة الهائلة للقيم الروحية والإنسانية والإجتماعية المشتركة .

4ـ حماية دور العبادة من معابد وكنائس ومساجد واجب تكفله كل الأديان وأن الإرهاب البغيض يهدد أمن الناس ويلاحقهم بالفزع والرعب وهو ليس نتاجاً للدين .

5ـ أن مفهوم المواطنة يقوم على المساواة في الواجبات والحقوق التي ينعم في ظلالها الجميع بالعدل .

6ـ إن العلاقة التي بين الشرق والغرب هي ضرورة قصوى لكليهما لايمكن الإستعاضة عنها أو تجاهلها ليغتني كلاهما من الحضارة الأخرى .

7ـ الإعتراف بحق المرأة في التعليم والعمل وممارسة حقوقها والعمل على تحريرها من الضغوط التاريخية والإجتماعية وحمايتها من أي استغلال .

8ـ وأكدت الوثيقة على حقوق الأطفال الأساسية في التنشئة الأسرية والتغذية والتعليم والرعاية وعدم حرمانهم منها كذلك حقوق المسنين والضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة المستضعفين على حمايتهم مجتمعياً وقانونياً .

قد يقول متسائل ، هذا الكلام سمعناه من قبل وموجود في مواثيق أخرى ودساتير دولية مثل حقوق الإنسان وحقوق الطفل ما الجديد ؟

نعم ، هذه القيم موجودة في مواثيق أخرى ولكن الإختلاف أن هذه الوثيقة ” وثيقة الأخوة الإنسانية “صادرة من أكبر قيادتين دينيتين في العالم فهدف إصدارها المشترك هو:

1ـ التاكيد على أن الديانتين الإسلام والمسيحية لا تتصارعان حتى لو أخطأ أو جنح من يظن إنه يحمى الله والدين  .

2ـ قطع الطريق نهائياً على من يقودون بعض الناس خاصة البسطاء باسم الدين أو الإفتاء بما هو مغاير لتلك القيم الدينية الواردة في الوثيقة .

3ـ التأكيد على قادة العالم أو كل من في مركز قيادة وصناع القرار على تطبيق هذه القيم الواردة في الوثيقة لترجمتها إلى سياسات وقرارات ونصوص تشريعية ومناهج تعليمية ومواد إعلامية .

هذه الوثيقة كما ورد في ختامها دعوة للمصالحة وتطهير الذاكرة للتأخي مع جميع المؤمنين بل المؤمنين وغير المؤمنين ولتكن نداء لكل ضمير حي ينبذ العنف والتطرف الأعمى ولتكن هذه الوثيقة شهادة لعظمة الإيمان ورمزاً لعناق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب وبين كل من يؤمن بأن الله خلقنا لنتعارف ونتعاون ونتعايش كإخوة متحابين .