“ليس يهوديٌّ ولا يونانيٌّ. ليس عبدٌ ولا حرٌّ. ليس ذكرٌ ولا أنثى، لأنّكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع”. (الرسالة إلى أهل غلاطية، الإصحاح الثالث)

كما في كلّ سنة، وبهدف تعميق المحبّة وتوطيد العلاقات الأخويّة بين الكنائس، رُفعتْ الإبتهالاتُ والصلواتُ ضمن برنامج أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين، من ١١ فبراير إلى ١٩ فبراير ٢٠١٩. نظّم هذا البرنامج مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس كنائس مصر. تلاقى القادة الروحيّون وأبناء الرعايا ليصلّوا بإيمانٍ ووحدةٍ في كلٍّ من كاتدرائيّة مار جرجس للأقباط الأرثوذكس بعنوان “إقنعوا بما لديكم”، وفي كنيسة السيّدة العذراء والأمّ تريزا للأقباط الكاثوليك كان اللقاء بعنوان”الربّ رحيمٌ ورؤوف”، وفي المقرّ البابويّ بدير الأنبا بيشوى كان: “ليكن كلامكم نعم نعم لا لا”، وفي الكنيسة الإنجيليّة بالشرابيّة “الربّ نوري وخلاصي”، وفي الكنيسة الإنجيليّة بعين شمس “ربّ القوّات اسمه”، وفي كاتدرائيّة القدّيس يوسف للموارنة “لنجرّ الحقّ كالمياه”، وفي كاتدرائيّة جميع القدّيسين الأسقفيّة “لأبشّر المساكين”، وفي كنيسة القدّيس نيقولاوس للروم الأورثوذكس تحت عنوان “عظيمٌ هو إيمانك”.

يوم السبت، شاركتُ في لقاء كاتدرائيّة القدّيس يوسف في منطقة الظاهر وقد تأثّرتُ بما جاء من حديثٍ ودعاءٍ وترنيمٍ وصلاة. وقد وَجدَتْ كلمات الأب بولس جرس صداها في نفسي إذ قال: “إنّ الوظيفةَ الأولى للكنيسة هي إشعاعُ المحبّة، فهي القلب الذي يضخّ الحُبّ إلى العالم، هي خميرةٌ في العجين، خميرة حبّ، ملحٌ للأرض ونورٌ للعالم. وحدتُنا ليست في التماثل وإنّما هي وحدة التنوّع والتكامل، كما هي حال الأعضاء المتعدّدة والمتكاملة”.

أمّا المطران الأرمنيّ الأورثوذكسيّ أشّود فقال: “حين نتّحدُ في ما بيننا نشعر بحضور الربّ، بقوّته في داخلنا، هو الذي يحبّ كلّ أولاده سواسية. وحين نحقّقُ إرادته التي تكمن في محبّة بعضنا البعض، يصبح فكرنا فكرًا إلهيًّا، فيعيش هو في داخلنا ويعضدنا”.

ذكّر المطران المارونيّ جورج شيحان أنّ الوحدةَ رغبةٌ إلهيّة، وأنّه لا يجوز لنا التصرّف بمنطقٍ بشريّ، فالراعي واحد! رؤساء الكنائس مسؤولون عن إحياء طريق التواصل بين كلّ الرعاة والقادة الروحيّين، وكلّ ذلك يتطلّب تواضعًا ومحبّة. وبعد أن أكّد أنّ التشرذم يدمّر الأساسات ويدمّر الهيكل قال: “علينا أن نبنيَ ما بناه الله وندعّمَه “. وتمنّى الأسقف بأن يكون كلّ يومٍ يومَ وحدة، فنفرح معًا ونصلّي معًا ويتخمّر حضور يسوع في قلوبنا وحياتنا.

لَفَتَني في هذا اللقاء التفاعل بين الجميع، فلم تقتصرْ هذه الفترة على الإصغاء لكلام القادة الروحيّين الحاضرين، إنّما تطلّبت من كلّ فردٍ منّا التزامًا أمام الله. كتب كلٌّ منّا أمنيةً ودعاءً والتزامًا على بطاقةٍ صفراء، ورفُعت جميع البطاقات إلى الربّ ووُضِعت عند أقدام الصليب. وفي وقت المغادرة سحب كلٌّ منّا بطاقةً يعيشُ من أجلِ من كتبَها ويحاولُ تحقيقَ ما في داخلها في حياته الشخصيّة.

ومن الطبيعيّ أن تكون كلُّ الصلوات في كلّ الكنائس والكاتدرائيّات قد تمّت بجوٍّ خاصٍّ مليءٍ بالفرح الحقيقيّ، وبجوٍّ روحيٍّ عميقٍ ومؤثّر. وقد ختم الأمين العامّ الجديد، الأب بولس جرس، هذا الأسبوع قائلاً إنّه علينا أن نصلّي ولكن علينا أن نعمل أيضًا.

فيا ربّ لا تدَعْنا نُهملُ وصيَّتكَ في ضجيج حياتنا اليوميّة، بأن نحبَّ بعضنا بعضًا كما أنت أحببتنا، دعنا ندركُ أنّنا إخوة، ولا تدعنا نُدعّمُ حواجزَ الإنقسام القائمة بيننا، بل أهّلنا أن نتجاوز الأحكام والصعاب، فحياتنا معًا وأعمالنا اليوميّة فرصةٌ لنغتَنِيَ ونتعلّمَ ونَتَتَلْمَذَ على فَهْمِ القليل من حُبِّك اللامتناهي ورحمتك الشاسعة، فنكون مستنيرين بك لأنّ هوذا التسبيح الذي يحلو لقلبك!

أسبوع الصلاة لأجل وحدة الكنائس ليس إلاّ دعوةٌ لنا جميعًا حتّى نشمّرَعن سواعدنا فنزرعَ بذور الرجاء والمحبّة المتبادلة لنحصد لاحقًا زهور الأخوّة.

بقلم ريما السيقلي