ستظل زيارتي مع قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية و بطريرك الكرازة المرقسية، و وفد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، للفاتيكان – مايو ٢٠١٣ – هي الأهم بمسيرة عملي الصحفي، يومها استقبلنا قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان بمكتبه البابوي بقلبه الفياض بالمحبة و تواضعه الشديد، يوما فتحت الكنيسة القبطية و الكاثوليكية صفحة جديدة في العمل المسكوني، و الحوار، يوما رأيت فيه الروح المسيحية المتجسدة، و كلمة الله المتحققة ليكونوا واحدا.

اليوم تمضي ٦ سنوات لاختيار السماء لقداسة البابا فرنسيس بابا للكنيسة الكاثوليكية بالعالم، و الحقيقة خلال هذه السنوات القليلة الماضية أصبح قداسته واحد من أكثر الشخصيات العامة جماهيرية وشعبية في العالم بأكمله، كونه يقوم بإصلاحات جذرية، إضافة إلى امتلاكه جانبا إنسانيا نبيلا جعل الجمهور ووسائل الإعلام على حد سواء يهتم بمتابعة أخباره.

وفي محاولة لحصر أفعاله ومواقفه، أكتب عن قداسته كما رأيته سواء بالفاتيكان أو خلال زيارته التاريخية لمصر -ابريل ٢٠١٧-  فهو البابا الذى تخلى عن سيارته البابوية .. بعد واقعة البابا يوحنا بولس الثاني، خصص الفاتيكان عربة مصفحة لنقل باباوات الكنيسة الكاثوليكية من بعده لإبقائهم آمنين، إلا أن قداسة البابا فرنسيس قرر التخلي عن هذه السيارة، ولم يختر بدلا منها “مرسيدس” لتنقلاته، بل  استبدلها بأخرى رخيصة، الأمر الذي أثار إعجاب الكثيرين به لتواضعه الشديد واهتماماته بالتواصل مع رعاياه، و باع قداسة البابا فرنسيس سيارة الفاتيكان وتبرع بثمنها لبناء ملجأ لرعاية الفقراء والمشردين.

•• أولى قداسة البابا فرنسيس اهتماما خاصا بالفقراء والمرضى، وطالب الكنيسة الكاثوليكية بمنحهم الأولوية دوما، ولم يهتم بمظهر المرضى المحتاجين لرعايته، إذ التقطت له صور يحتضن فيها واحدا من المصابين بالورم الليفي دون أدنى اهتمام بشكله، وهي الصورة التي تداولها رواد التواصل الاجتماعي بكثرة تقديرا لإنسانيته.

•• من المعتاد أن يحتفل البابا بالأسبوع المقدس في الفاتيكان، إلا أن قداسة البابا فرنسيس كان أول من يقضيه في سجن “كاسل دل مارمو”، كمحاولة لإظهار تعاطفه مع المسجونين وإيمانه بقدرة هذا المكان على الإصلاح، وقام بتقبيل قدم 12 فتى وفتاة من القاصرين المحبوسين في السجن، ليكسر بذلك كثيرا من تقاليد الكنيسة الكاثوليكية.

•• أرسلت واحدة من ضحايا الاغتصاب خطابا لقداسة البابا فرنسيس في يوم ما، لتفاجأ بأنه يرد عليها بنفسه ويرسل في طلبها لمباركتها والتخفيف عنها، وهي الخطوة التي جعلت السيدة تستعيد جزءا كبيرا من إيمانها وراحتها النفسية.

•• اعتاد قداسة البابا فرنسيس، قبل توليه البابوية، زيارة الأحياء الفقيرة لتزويد المشردين وذوي الحاجة بالطعام والمال، وبعد توليه البابوية لم يكف عن أفعاله الخيرية بسبب خشيته على نفسه، إذ تنكر في إحدى المرات كي يذهب دون حراسة ليطعم الفقراء في الأحياء المجاورة.

•• لم يعرف عن البابا فرنسيس احتقار الملحدين أو ذوي الأديان الأخرى، وفي أحد لقاءاته الصحفية صرح بأن الملحدين يستحقون أن يُعاملوا بطريقة جيدة إن لم يتسببوا في أذى.

•• اتخذ موقفاً من الحرب الدائرة حاليا في سوريا، مؤكدا أن العنف لا يؤدي سوى إلى العنف، وتوجه بالصلاة والدعاء لقادة العالم لوقف الحروب والعنف على أمل أن يشهد نهاية لنزيف الدم المتواصل حالياً.

•• يعرف احترامه للديانات المختلفة، ولقاؤه بأكثر من زعيم عربي، وقد سبق أن صرح بعد انتهاء شهر رمضان بأنه لا توجد فوارق في الإنسانية بين مسلم ومسيحي “فكلنا بشر وكلنا نؤمن أن لدينا ربا واحدا”.

رسخ قداسة البابا فرنسيس، صورة ذهنية منذ توليه الباباوية؛ إذ إنه أول بابا من خارج أوروبا وأول بابا يسوعي.. ومع تولي البابا فرنسيس سيادة دولة الفاتيكان، استمر نهجه المختلف وتصريحاته حول الفقر والطلاق والتغيير المناخي في جذب وسائل الإعلام حوله، التي اعتبرته رائدا تقدميا يحاول تغيير مسار الكنيسة الكاثوليكية بالكامل.

•• يؤكد قداسة البابا فرنسيس دومًا ضرورة رعاية الفقراء، ليس بالمساعدات الوقتية وحسب، بل بتغيير النظام المالي بأكمله، إذ ألقى قداسته خطابًا أمام دبلوماسيي العالم في الكرسي الرسولي عام 2013 تحدث فيه عن ثقافة المال التي تحكم العالم، وسيطرة الرأسمالية الجافة على حياتنا، ولفت إلى أهمية وجود نظام مالي أكثر توازنًا يرتكز على الأخلاق ويكون للإنسانية فيه مكان.

•• حمل على عاتقه مهمة القضاء على البيروقراطية، ووضع مكانهم المعتدلين ليفتح الباب أمام مناظرات مهمة بشأن آلية القيادة في الفاتيكان وقرارات قداسته التقدمية، وحاول قداسته زيادة الشفافية فيما يخص وضع الفاتيكان المالي، كما غير معايير الترقي الوظيفي بسب إفناء كثير من رهبان الفاتيكان حياتهم في محاولة للترقية.

•• أولى قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي اهتمامًا خاصًا، وأصدر دعوة عام 2014 باستضافة رئيسي فلسطين وإسرائيل للصلاة في منزله في الفاتيكان، وكان أول بابا يسافر مباشرة إلى الضفة الغربية في فلسطين، ويشير إلى الأراضي المحتلة بدولة فلسطين، وخلال زيارته توجه إلى الجدار العازل بين القدس وبيت لحم وتوقف للصلاة والدعاء، في صورة لفتت انتباه الكثيرين وانتشرت بشدة على مواقع التواصل الاجتماعي.

•• منذ تولي قداسته باباوية الكنيسة الكاثوليكية، وهو مستمر في سعيه تجاه تغيير قوانين الكنيسة الكاثوليكية بشأن الطلاق، إذ فتح باب النقاش أكثر من مرة حول إمكانية تعديل القوانين فيما يخص الطلاق والزواج من جديد بالنسبة للكاثوليك.

•• طالب قداسة البابا فرنسيس في رسالته التعليمية الثانية بإجراءات وإصلاحات حاسمة سياسيًا واقتصاديًا فيما يخص التغير المناخي، ومنذ ذلك الوقت يقوم الفاتيكان وعلى رأسه بابا الكنيسة الكاثوليكية بحملات لحث الأمم المتحدة على إيجاد حل حاسم وسريع لمشكلة التغير المناخي والاحتباس الحراري.

يا قداسة البابا .. الرب يعنك لمواصلة العطاء و المحبة في زمن فقدنا فيه السلام

مايكل فيكتور